responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 278
مُسْتَحْسَنٌ، فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ يَجْرِي مَجْرَى الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّهُ يَحْسُنُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ يَحْسُنُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ خَالِقًا لَهُمْ لَا كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الْفِعْلِ صَلَاحًا، وَلَا كَمَا يَقُولُونَهُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْعِوَضِ وَالثَّوَابِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّ الْخَلْقَ لَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُسْنَ الْأَمْرِ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِهِ خَالِقًا لَهُمْ مُوجِدًا لَهُمْ، وَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي حُسْنِ الْأَمْرِ وَالتَّكْلِيفِ، هَذَا الْقَدْرَ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ، وَالثَّوَابِ، وَالْعِقَابِ فِي اعْتِبَارِ حُسْنِ الْأَمْرِ وَالتَّكْلِيفِ.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُتَكَلِّمٌ آمِرٌ نَاهٍ مُخْبِرٌ مُسْتَخْبِرٌ، وَكَانَ مِنْ حَقِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَقَدُّمُهَا عَلَى سَائِرِ الْمَسَائِلِ، إِلَّا أَنَّهَا إِنَّمَا خَطَرَتْ بِالْبَالِ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْأَمْرَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ النَّهْيُ، وَالْخَبَرُ، وَالِاسْتِخْبَارُ، ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ كونه تعالى خالقا للسموات، وَالْأَرْضِ، وَالشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالنُّجُومِ.
ثُمَّ قَالَ: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ أَيْ لَا خَالِقَ إِلَّا هُوَ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ تَعَالَى خَالِقًا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يُقَالَ: لَا خَالِقَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إِلَّا هُوَ، فَلِمَ رتب على إثبات كونه خالق لِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ إِثْبَاتَ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا هُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ؟ / فَنَقُولُ: الْحَقُّ أَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ كَوْنُهُ تَعَالَى خَالِقًا لِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ، وَجَبَ كَوْنُهُ خَالِقًا لِكُلِّ الْمُمْكِنَاتِ، وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ افْتِقَارَ الْمَخْلُوقِ إِلَى الْخَالِقِ لِإِمْكَانِهِ، وَالْإِمْكَانُ وَاحِدٌ فِي كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ، وَهَذَا الْإِمْكَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْحَاجَةِ إِلَى مُؤَثِّرٍ مُتَعَيِّنٍ، أَوْ إِلَى مُؤَثِّرٍ غَيْرِ مُتَعَيِّنٍ وَالثَّانِي بَاطِلٌ، لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ، فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي نَفْسِهِ، فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مُتَعَيِّنًا فِي نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ وَمَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِوُجُودِ غَيْرِهِ فِي الْخَارِجِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْإِمْكَانَ عِلَّةٌ لِلْحَاجَةِ إِلَى مُوجِدٍ وَمُعَيِّنٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْمُمْكِنَاتِ مُحْتَاجًا إِلَى ذَلِكَ الْمُعَيِّنِ فَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِي وُجُودِ شَيْءٍ وَاحِدٍ، هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُودِ كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ فَاعْلَمْ أنه سبحانه لما بين كونه خالقا للسموات، وَالْأَرْضِ، وَالْعَرْشِ، وَاللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ، وَالشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالنُّجُومِ وَبَيَّنَ كَوْنَ الْكُلِّ مُسَخَّرًا فِي قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ الْحُكْمَ وَالْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالتَّكْلِيفَ، بَيَّنَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الثَّنَاءَ وَالتَّقْدِيسَ وَالتَّنْزِيهَ، فَقَالَ: تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ (تَبَارَكَ) فَلَا نُعِيدُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بدا في أول الآية: رب السموات وَالْأَرَضِينَ، وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وَالْعَالَمُ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، فَبَيَّنَ كَوْنَهُ رَبًّا وَإِلَهًا وَمَوْجُودًا وَمُحْدِثًا لِكُلِّ مَا سِوَاهُ، وَمَعَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ فَهُوَ رَبٌّ وَمُرَبٍّ وَمُحْسِنٌ، وَمُتَفَضِّلٌ، وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْآيَةِ.

[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 278
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست